قمع متصاعد لحرية الإعلام في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

في اليوم العالمي لحرية الصحافة، نعرب، نحن المنظمات المحلية والإقليمية والدولية الموقعة أدناه والمعنية بحقوق الإنسان والمجتمع المدني، عن بالغ قلقنا إزاء التدهور المستمر في حرية التعبير وحرية الإعلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي لا تزال من بين أكثر البيئات عداءً للصحافيين/ات في العالم، إذ يتعرّض العاملون/ات في مجال الإعلام للرقابة والهجمات والملاحقة والقتل أثناء أداء مهامهم. وندعو حكومات المنطقة وشركات التكنولوجيا إلى الالتزام بتعهّداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان واتخاذ خطوات فورية لحماية حرية الصحافة.

استهداف متعمّد للصحافيين/ات في مناطق النزاع

يواجه الصحافيون/ات في غزة ولبنان مضايقاتٍ وتهديداتٍ وهجماتٍ مستمرة، ويُستهدفون على خلفيّة قيامهم/ن بواجبهم/ن المهنيّ. فمع تصاعد حرب الإبادة على غزة، ارتفع عدد الضحايا إلى جانب الانتهاكات الموثقة ضد العاملين في مجال الإعلام في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان. وتشير عدّة تقارير إلى احتمال أن تكون إسرائيل قد تعمّدت استهداف الصحافيين في هذه المناطق. ووفقًا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، قُتل أكثر من 211 صحافياً في غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، بينما لا تزال إسرائيل تمنع دخول الصحافيين الأجانب إلى القطاع.

ندعو إلى إجراء تحقيقٍ دوليٍّ مستقل في ظروف مقتل جميع الصحافيين في غزة، ونحثّ المحكمة الجنائية الدولية على التحقيق في هذه الحالات باعتبارها انتهاكاتٍ محتملة لنظام روما الأساسي.

في السودان، دمرت الحرب التي اندلعت في نيسان/أبريل 2023 المشهد الإعلامي في البلاد. وتعرّضت معظم المرافق الصحافية في الخرطوم للتدمير أو تم الاستيلاء عليها، كما قُتل العشرات من الصحافيين/ات، وأُجبر العديد منهم على البقاء في المنفى، وفقاً لنقابة الصحافيين السودانيين. وترك النزاع فراغاً في المشهد الإعلامي، تم ملؤه بالدعاية السياسية والمعلومات المضلّلة، بينما يتم إسكات الأصوات المستقلّة من خلال الترهيب والعنف.

ومنذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، تشهد سوريا انفتاحاً تاريخياً في مجال حرية الصحافة، حيث يتمكّن الصحافيون من العمل علناً للمرة الأولى منذ سنوات. ومع ذلك، تواجه وسائل الإعلام المستقلة، التي تُعد ضرورية للإصلاح الديمقراطي والمساءلة العامة، أزمة اقتصادية حادة وتهديداً بالانهيار في وقت يحظى فيه دورها بأهمية كبرى. وقد أدّى تراجع الدعم الدولي، خصوصاً مع التخفيضات الأخيرة في التمويل، واستمرار العقوبات، وانهيار المؤسّسات الحكومية إلى فراغ معلوماتي. ويستخدم النظام الجديد حالياً تطبيقات مثل “واتساب” و”تلغرام” للتواصل مع المواطنين، ما يترك مجالاً واسعاً للمعلومات المضللة. وفقاً للجنة حماية الصحافيين، لا تزال المخاطر التي تواجه الصحافيين مرتفعة، إذ يواجه الصحافيون في شمال وجنوب سوريا “أكبر المخاطر، بما في ذلك الاختطاف أو الاعتقال أو القتل”. وقد تعرض الصحافيون الذين يغطون الاشتباكات الدامية الأخيرة في سوريا لعنفٍ شديد، ما حال دون قدرتهم على تغطية النزاع.

في الوقت نفسه، فرضت السلطات السورية قيوداً صارمة تعيق التغطية المستقلة من خلال منع الصحافيين الدوليين من الوصول إلى منطقة الساحل.

لذا، في حال عدم اتخاذ إجراءات دولية عاجلة لدعم الصحافة المستقلة، تواجه سوريا خطر فقدان المكاسب الهشة التي أحرزتها في مجال حرية الإعلام، ما يقوّض الآمال في تحقيق الديمقراطية ويسمح باستمرار السلطة غير الخاضعة للرقابة والانقسامات الطائفية.

قوانين الجرائم السيبرانية تُستخدم كأداة لقمع المعارضة على الإنترنت

لا تزال قوانين الجرائم السيبرانية تُستغَلّ كأدواتٍ لقمع المعارضة وتجريم التعبير عبر الإنترنت. فتستخدم حكومات المنطقة النصوص القانونية الغامضة والفضفاضة مراراً وتكراراً لقمع أي شكل من أشكال النقد والمعارضة على الإنترنت، وغالباً ما تستند إلى تلك النصوص لملاحقة الصحفيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان.

في الأردن، وبعد قرابة عامين على سن قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، تستخدم السلطات هذا القانون بشكلٍ متزايد لمعاقبة المنتقدين وإسكات الأصوات المتضامنة مع الفلسطينيين. ففي 13 أيار/مايو 2024، اعتُقِلَت الصحفية هبة أبو طه، وفي 11 حزيران/يونيو 2024، حُكم عليها بالسجن لمدة عام بموجب قانون الجرائم الإلكترونية بسبب منشور على “فيسبوك” انتقدت فيه السياسة الخارجية الأردنية تجاه إسرائيل. وأُفرِج عنها في 13 شباط/فبراير 2025. وفي تونس، يُستخدم المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال لملاحقة المنتقدين، ما يسبّب حالة من الخوف والرقابة الذاتية ويقوّض حرية الصحافة بشكلٍ أكبر.

تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان، ازداد عدد الصحافيين المحتجزين في السعودية بشكلٍ كبير منذ العام 2017. فتستخدم الحكومة تشريعات مكافحة الإرهاب ومكافحة الجرائم الإلكترونية لقمع التعبير على الإنترنت، وقد استُهدف الصحافيون ببرنامج “بيغاسوس” للتجسّس. وفي العام 2024، استمرت السعودية في سجن العديد من الكتاب، حيث أُبلغ عن 23 حالة بشكل إجمالي، بما في ذلك عدة حالات جديدة. وتُظهر الأحكام القاسية ضد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي نية السلطات القضاء على جميع أشكال التعبير غير المصرح به. ويواجه المدوّنون والمعلّقون عبر الإنترنت باستمرار مضايقات عبر الإنترنت، وحملات تشهير، والاعتقال، والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي.

الاعتقالات والملاحقات القضائية مستمرة في جميع أنحاء المنطقة

في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا يزال الصحافيون والعاملون في وسائل الإعلام يتعرضون للاحتجاز التعسفي والتهم ذات الدوافع السياسية ضمن إطار قانوني يتعارض أساساً مع المعايير الدولية.

في مصر، تم احتجاز الرسام الساخر أشرف عمر والصحافي خالد ممدوح رهن الحبس الاحتياطي منذ تموز/يوليو 2024 بتهم مثل “نشر معلومات كاذبة”، و”الانتماء إلى جماعة إرهابية”، و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”. وفي تموز/يوليو 2024، أحالت نيابة أمن الدولة العليا الباحث والصحافي عبد الرحمن محمود عبدو إلى المحكمة الجنائية. ويواجه هو وآخرون تهماً تتعلق بالإرهاب من دون أدلة موثوقة. وفقاً لنقابة الصحافيين المصريين، لا يزال أكثر من 20 صحافياً رهن الحبس الاحتياطي في العام 2024، بعضهم منذ أكثر من عامين، ومعظمهم يواجهون تهماً تتعلق بالإرهاب أو نشر معلوماتٍ مضلّلة.

في ليبيا، تم احتجاز الصحافي الصالحين الزروالي منذ أيار/مايو 2024 بسبب منشورات على “فيسبوك” تنتقد السلطات، وهو يخضع حالياً للمحاكمة أمام محكمة عسكرية في بنغازي.

منذ استيلاء الرئيس قيس سعيد على السلطة في 25 تموز/يوليو 2021، تتدهور حرية الصحافة في تونس بشكل مستمر. وقد بلغ القمع ذروته مع صدور المرسوم 54، الذي صيغ بذريعة حماية نظم المعلومات والاتصالات، ولكنه استُخدم على نطاق واسع كأداة لقمع المعارضة. واشتدت حملة القمع التي شنّتها الدولة قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2024، بما في ذلك الإغلاق الفعلي للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري. واعتباراً من كانون الثاني/يناير 2025، يقبع أكثر من 50 شخصاً في الاحتجاز لأسباب سياسية أو بسبب تصريحاتهم العامة التي اعتُبرت أنها تنطوي على انتقادات للحكومة. في التقرير السنوي للنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين حول حالة حرية الصحافة، تم توثيق 167 انتهاكاً ضد الصحافيين والمصورين الصحافيين ومراسلي وسائل الإعلام بين نيسان/أبريل 2024 ونيسان/أبريل 2025. وشملت الانتهاكات عنف الشرطة، والرقابة، والحرمان من الوصول إلى المعلومات، والتهديدات الرقمية والتحريض، والملاحقات القضائية التعسفيّة والسجن. وفي تطوّر هو الأكثر إثارة للقلق، أصدرت المحاكم التونسية 10 أحكام بالسجن ضد الصحافيين خلال هذه الفترة، وهو أعلى رقم يُسجِّل منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتم تنفيذ ستة من هذه الأحكام، ولا يزال أربعة صحافيين خلف القضبان.

هذا وأدانت المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، نمط الاعتقالات التعسفية واضطهاد الصحافيين والنشطاء والمعارضين السياسيين في تونس، داعية إلى احترام حرية التعبير والإفراج الفوري عن المحتجزين.

لا يزال قمع حرية التعبير منتشراً في دول الخليج، حيث تواصل السلطات إسكات الأصوات المستقلة، بما في ذلك الصحافيين والنشطاء على الإنترنت. ففي قطر، أُدينت الناشطة على الإنترنت “أم ناصر” وحُكم عليها بالسجن لمدة ثلاث سنوات بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد الفساد القضائي؛ وتشير التقارير إلى تعرضها للاعتداء الجسدي وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز. وتسلط قضيتها الضوء على حملة قمع متزايدة ضد المعارضة على الإنترنت، خصوصاً بعد اتفاقيات تبادل البيانات الأخيرة بين قطر والسعودية. وحُكم على ناشط قطري آخر، هو أحمد عبد الله آل سعد الكواري، بالسجن لمدة 13 عاماً لتحديه الأمير والتحريض على الفتنة عبر الإنترنت، بحسب المزاعم. وقد اعتُقل الكواري في السعودية وجرىى ترحيله إلى قطر، وبدأ إضراباً عن الطعام احتجاجاً على ذلك، ما أدّى إلى نقله إلى المستشفى.

في الكويت، حُكم على المدوّن منصور المحارب غيابياً بالسجن لمدة عامين مع الأشغال الشاقة بسبب تغريدات اعتبرتها السلطات مسيئة.

وفقاً لتقريرٍ حديث صادر عن رابطة الصحافة البحرينية، تواصل الحكومة البحرينية مضايقة المنتقدين على الإنترنت، بما فيهم أولئك الذين يدعون إلى الإفراج عن السجناء السياسيين أو يطالبون بإصلاحات. وقد ارتكبت السلطات البحرينية حوالى 100 انتهاك بحقّ الصحافيين والنشطاء، شملت الاستدعاءات للتحقيق، والسجن، والمحاكمات. واستُدعي العديد من الأفراد إلى وحدات الجرائم السيبرانية فوراً بعد نشرهم انتقادات للحكومة، وتعرضوا للضغط لإزالة تلك المنشورات من خلال التهديد أو الابتزاز. وحُكم على أحد المحامين بالسجن لمدة شهرين، كما نُفّذت العديد من الاعتقالات والأحكام القضائية بناءً على شكاوى مقدمة من أعضاء في البرلمان أو جهات حكومية.

في 4 آذار/مارس 2025، أيّدت المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات العربية المتّحدة أحكاماً قاسية، بما في ذلك السجن المؤبد لـ43 شخصاً وأحكاماً بالسجن لفترات طويلة لآخرين، ضد 53 متهماً، من بينهم المدافع البارز عن حقوق الإنسان أحمد منصور، وذلك عقب محاكمة جماعية واسعة النطاق تعرضت لانتقادات واسعة بسبب الانتهاكات الجسيمة للأصول القانونية وغياب معايير المحاكمة العادلة. وأدانت منظمات حقوق الإنسان هذا الحكم باعتباره محاولة صارخة لإسكات المعارضة، معربة عن قلقها بشأن استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لقمع النشاط السلمي واستمرار قمع المنتقدين في الإمارات.

وتوضح هذه الحالات القمع المستمر للتعبير الرقمي واستهداف الأشخاص الذين يتحدّون السرديات الرسمية في منطقة الخليج.

وسائل الإعلام المستقلة تتعرض لهجمات

تواجه وسائل الإعلام المستقلة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تهديداتٍ متزايدة، بما في ذلك المضايقات القانونية، والضغوط المالية، وحملات التشهير.

في لبنان، تتعرض مؤسّسات إعلامية مثل “درج” و”ميغافون” بشكلٍ متزايد لحملات إعلامية جماعية ودعاوى قانونية بسبب تقاريرها الاستقصائية وجهودها في مجال المساءلة. وقد علمت المؤسّستان عن شكوى قانونية تتهمهما بـ”النيل من مكانة الدولة المالية وزعزعة الثقة بمتانة النقد الوطني، والحض على سحب الأموال من المصارف وبيع سندات الدولة، والحصول على أموال خارجية مشبوهة وتمويل حملات إعلامية بهدف ضرب الثقة الدولة، وإثارة الفتنة، والنيل من هيبة الدولة، وإضعاف الشعور القومي، وتشويه سمعة الدولة والاشتراك في المؤامرة عليها”. وقد انتهكت الإجراءات القانونية المتخذة ضد هاتين المؤسّستين الضمانات التي يمنحها القانون المحلّي للصحافيين، بما في ذلك موجب تسليم استدعاء خطّي يتضمّن تفاصيل المخالفة القانونية، وضرورة إحالة الدعاوى المتعلقة بالأعمال الصحفية إلى محكمة المطبوعات، ما يسلط الضوء على الميل العام إلى استخدام النصوص القانونية الغامضة لترهيب وسائل الإعلام المستقلة وقمعها.

في الجزائر، يستمر قمع الصحافة المستقلة. ففي 13 حزيران/يونيو 2024، أيّدت محكمة الاستئناف في الجزائر العاصمة حل شركة “إنترفاس ميديا”، الشركة المالكة لـ”ـراديو إم” و”مغرب إيمرجون”، التي يديرها الصحافي إحسان القاضي. وتم سجن القاضي، حيث يقضي حالياً حكماً بالسجن لمدة سنتين تقريباً بتهمة تشغيل خدمة سمعية بصرية بدون ترخيص.

نظراً لانتهاكات الحكومات المستمرة لحرية الإعلام، تتحمل شركات التكنولوجيا مسؤولية منع منصاتها من تكرار هذا القمع الحكومي. وإنّنا نحثّ هذه الشركات على حماية حرية التعبير للصحافيين والمؤسّسات الإعلامية، وضمان أن تُسمع الأصوات المستقلة من دون خوف من الرقابة أو المراقبة أو الانتقام. ويجب على شركات التكنولوجيا التأكد من أن سياساتها وممارساتها، بما في ذلك الإشراف على المحتوى والاستجابة للطلبات الحكومية، تحمي قدرة الصحافيين على الإبلاغ بحرية وأمان، من دون تهديدٍ بالإسكات غير الخاضع للمساءلة.

ونطالب الحكومات باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لوضع حدّ لاضطهاد الصحافيين، وإلغاء جميع القوانين القمعية، وبذل جهود جدية لتعزيز بيئة آمنة تضمن وتمكينيّة لوسائل الإعلام الحرة والمستقلة.

فيما نحيي اليوم العالمي لحرية الصحافة، نعبّر عن تضامننا مع الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام والمؤسّسات المستقلة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذين يواصلون العمل تحت ضغوط ومخاطر هائلة، معرّضين حياتهم للخطر. إنّ حرية الإعلام هي حق أساسي من حقوق الإنسان وركيزة أساسية لأي مجتمع ديمقراطي.

Tags:

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *